الأربعاء، 20 يوليو 2016

أبو إسحاق الغزّيّ متنبي فلسطين !



ولد الشاعر أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الكلبي الغزي في مدينة غزة عام 441 هـ ، وفيها نشأ، وتلقى تعليمه الأوليّ ، ثم دفعته ظروفه ، وسوء الأحوال السياسية في بلده قبيل الاجتياح الصليبي لفلسطين إلى دمشق، وأكمل تعليمه فيها على يد أحد علماء بيت المقدس المهاجرين وهو نصر بن إبراهيم المقدسي،  ثم ارتحل إلى بلاد فارس وخراسان وكَرْمان و أواسط آسيا حيث أمضى هناك بقية عمره حتى وفاته.
وله ديوان كبير بتحقيق الشاعر والأكاديمي المقدسي الدكتور عبد الرزاق حسين، وكان شعره كثيراً سائراً ببلاد الجبل وخراسان كما يقول الذهبي الذي وصفه بشاعر العصر وحامل لواء القريض، وهو مشهور بكثرة استخدام فنون القول البديعي واحترافه ومهارته فيها .
وكان يتشوّق في غربته الطويلة إلى أرضه وموطن صباه الذي لم يعدُ إليه، فيقول في تذكّر رحلة له بين غزة وعسقلان :
أين دعواك والغواني عواني   والمعاني واللفظُ حاز المعاني
ونَواكَ الشُّطُون إزماعَكَ الرحـ  ـلةَ من غزة إلى عسقلان
ويظل يذكر غزة أمام الأمراء والسلاطين من ممدوحيه :
قصدتُكَ لا بالشعر من أرض غزةٍ   ولكن بقولي إنني لكَ آمَلُ
ويحكي أن سبب هجرته من غزة هو بعض الأشخاص :
لولاه ما فارقتُ غزةَ هاشمٍ   والشوقُ يحملني على بُرَحائه
ويحكي في شعره متذكّراً أيام صباه الجميلة على أرض غزة:
ما كان أقصرَ عيشاً رقَّ حاشيةً وموعداً غيرَ موسومٍ بإخلاف
أيامَ كنتُ أميراً في برود صِبا  تصبي الكعابَ بأعلام وأفواف
وحَيُّ غزةَ حيُّ العز منتظمٌ  كعقدها من خيامٍ بين أحقاف
ومن روائع تشوّقاته إلى غزة:
وجدّد كربي ذكرُ غزّة هاشم 
وما جدّ بي من شوق تلك الملاعب  
مقام هوى قلبي ومسقطُ هامتي 
ومعنى صباباتي ومغنى أقاربي  
ذكرتُ بذاكَ الرّبع عيشاً طويتُه 
على غرَّة والعيشُ كسوةُ سالب  
ونَدمة قومٍ لا ندامةَ عندهم
من العمر والدّنيا على فوت ذاهبِ  
تُحلّى صدورُ الكتب حتّى تخالها 
إذا أسهبوا فيها صدورَ الكتائبِ  
لئن فلقّوا هامَ الصَّناديد في الوغى 
فقد فلّقوا في المحل هامَ المساغبِ  
ومنْ لي بهمْ لو أيسروا فدعوتهم 
لتخليص شلوي من نيوب النوائبِ  
عسى بينَ أحشاءِ الليالي عجيبةٌ
حبالى الليالي أمّهاتُ العجائبِ  
إذا شاء حلَّ العقدة اللهُ ناطها 
بمسعى ميامين الخُطى والنَّقائبِ  
وهو يحمّل الذاهبين إلى غزّة رسالة مشتاق هدّه البعد:
عرِّج على نفر بغزّة هاشم
صبروا وقِدْحُ الصّابرين منيحُ  
ومتى سُئلتَ فقل رأيتُ متيماً 
لبسَ الشحوب طرازهُ التَّلويحُ 
ويتحسّر على أيامه الأولى بغزة قائلاً:
أينَ أيّامنا بغزَّة والعيـ
 
ـشُ نضيرٌ واللهو رحبُ المجال
  
عاش أبو إسحاق الغزي في ظل الدولة السلجوقية حتى مات في خراسان سنة 524 هـ ودفن في بلخ ، وعمره نحو 83 عاماً ، ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق