النملة العضّاضة !

-        من وحي قرصة نملة شريرة -

تتسلل إلى أقدامك تلك النملة الريفية السوداء باحثةً عن رزقها ، لا تلقي بالاً لجسدك العملاق ، واثقةً من قدرتها على صد أعدائها بسلاحها النفّاذ ؛ لكنها لم تشعر أن سلاحها هذا لا يفعل فعله إلا بجرعات كبيرة .

تظن أنك إن تحرّكتَ فأنت تهاجمها ، فتغرز أنيابها في جلدك ، وتجعلك تتلوّى من الألم ، وتصيبك بالحكاك ، الذي يجعل موضع قرصتها حمراء ، وربما تقشّرت لشدّة الحك وتكراره .

تشعر النملة بانتصارها فتمضي ببطء لا يكترث بأحد، ولكنها لا تدري أن وراء الألم شخصاً غاضباً سيسحقها بأظفره ، أو إبهام قدمه ... ومع ذلك فهي لا تستلم فتجدها تموت وقد دَلَقتْ عليكَ محلولاً أخضر شنيع الرائحة كأنه نقيع سمك متعفِّن في وعاء خلٍّ منتهي الصلاحية .

طولها أقل من نصف سم ، ليست سريعة ، تعمل لوحدها ، فهي فردية جداً لا تكاد تراها تشترك مع زميلاتها في شيء .

تمتاز بالعناد والصلابة ويبوسة الرأس وطول النفَس وإدمان الصبر ، وقدرة تحمّل كبيرة حتى في الماء فهي سبّاحة ماهرة تستغلّ جسدها النحيل الخفيف في الطفو  فتستخدم أرجلها في التجديف ولكنها تخسر في مسابقة الغوص لعدم قدرتها على التنفس تحت الماء .

ومع أنها فردية إلا أنها تعيش في مجموعات صغيرة جدا معزولة عن بعضها ولا تشكِّل قرية ؛ وفي بيتها بيض قليل ليس كأنواع النمل الأخرى ، ولا تخرج النملة من منزلها إلا بعد اكتمال نموها ودخولها سن التجنيد الرسميّ .

تحفر منزلها في التراب ، وتعيش أيضاً في البيوت الجاهزة بين بلاط البيت أو في شقوق الجدران .

تخشى البردَ جداً ، وتبيت طويلاً في مخابئها حتى ينجلي البرد تماماً وتزداد الحرارة الجوية النهارية عن 30 درجة مئوية ، وتختفي في الظلام لأن جسدها الفولاذي يفقد الحرارة بسرعة فتموت .

أكبر أعدائها نحن ، ثم الدجاج والعصافير ، ولكنّ عطسةً واحدة من فمها الشرير كفيل بطرد الأعداء الذين من حجمها ...