اعتادت
مجتمعات بلاد الشام أن تفتتح صباحاتها بوجبة زيت زيتون وزعتر أخضر مطحون مختلف
النكهات ، يغمّس أو يُنضّج في فطائر مرققة ؛ مع الشاي الأحمر المطعّم بالميرمية !
وهي
عادة قديمة متوارثة ، حتى إنهم قالوا إن الفلسطينيّ أو اللبناني أو السوري أو
الأردني بلا زعتر كعبلة بلا عنتر ! وقد وجدنا ذكر الزعتر في كلام الشاعر العباسي
الخليفة عبد الله ابن المعتز ، ويبدو أنهم كانوا يأْتدمون به بالزيت لذلك أضافوه
إلى الكامخ :
وكامخ الزَّعْتر البريِّ إن له ... لوناً حكاه
لدينا المسك والقارُ
بل
وجدنا الزعتر قبل ذلك، فقد روى البيهقي في كتاب الآداب بإسناده عن شيخ الكوفة
التابعي الجليل أبي وائل شقيق بن سلمة قال : دخلت أنا وصاحبي على سلمان الفارسي فقرب
إلينا خبزاً وملحاً، وقال : « لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلّف تكلّفنا
لكم » . فقال صاحبي : لو كان مِلْحُنا فيه زعتر ! فبعث بمَطْهرته (إبريق الحمّام)
إلى البقّال فرهنها وجاء بزعتر ...
وأطيبه ما كان مصنوعاً من الزعتر البريّ النابت
في الجبل حين يجفّ ورقه على عوده فيكون مائلاً إلى الغبرة ، وما زلتُ أذكر أيام
يَفاعتي صعودنَا الجبلَ وحَشَّنا نبات الزعتر الجبلي الأخضر المنتشر في سفوحه،
ونتخيّر له ما بين الصخور ، ثم نعود به إلى بيوتنا نجففه ثم نطحنه ونُتَوْلِبه
ونُسَمسمه .
وهو
ذو فوائد كثيرة حتى إن بعض الكذابين نسب في فضائله أحاديث إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينوِّه به، منها ما ذكروه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنطق اللهُ شجرةَ
الزعتر فقالت: يا رسول الله ! خذني ! فوالذي بعثك بالحق ما أنزل الله داءً إلا وفيَّ
منه دواءٌ .
وفي
المعاجم والكتب القديمة تجد الكلمة تكتب زعتر وصعتر وسعتر ، والأصوات الثلاثة
أصوات تصفيرية متقاربة المخرج، ويشيع فيها تبادل المواضع في مثل هذه الكلمات
الماديّة الشائعة الاستعمال، وقد صوّب المَجمَعيون في القاهرة الكلمات الثلاثة ،
وذكروا أن الأشهر هو نطقها بالزاي، ولكن القدماء ذكروها بالصاد (صعتر) وقالوا إن
سبب هذه الكتاب هو ألا تتصحّف الكلمة في الكتابة وتشبه كلمة (شعير) ، وهذا أمرٌ
كان من الأسباب المؤثرة في طريقة كتابة الكلمة.
أما
طريقة نطقها الأليقُ بها إذا كانت بالصاد فهي (صعطر) لتقترب المخارج وتأتلف
بالاستعلاء والتفخيم ، وربما كان نطقها الشعبيّ القديم بالظاء العامية (ظعطر) وهو
حرف غير مدوّن في الأصوات العربية الفصيحة رغم شيوعه في عاميتنا .
والزعتر
نوعان بستانيّ مزروع بارد ، والآخر بَعليّ تسقيه عيون السحاب بدموعها الحارّة
فتجده حاراَ يابساً ذو رائحة عابقة مع النسيم ، ولذلك فإنه يستخدم في تلطيف الحلق
وفي تسكين أوجاع الضرس إذا مضغتَ ورقه الأخضر البريّ، كما أنه نافعٌ لقتل الدودة
الشريطية التي تشاركك طعامك في أمعائك ؛ كما يستعمله أجدادنا لعلاج المغص ، وكانوا
يستخدمونه لتخفيف أعراض عضّة الكلب المسعور . ويذكرون أنه ينشّط الذاكرة أيضاً .
والزعتر
سريع النموّ في الجبل إذ إن به نشاطاً وقوة وحيوية، كما أنه قليل الإصابة بالآفات
التي تصيب النبات .
وأما
الزراعي منه فهو في المطاعم أشهر ويستخدَم منكهاً طبيعياً مع السلطات الخضراء ،
ولتغيير طعم الفم من أكل البصل الأخضر .
وهذا
الزعتر لا تجب فيه الزكاة إلا عند الحنفية إذا كانت متخذاً للتنمية الاقتصادية
وكان مزورعاً بكميات تجارية بغرض الكيل والادخار ، وتجب فيه الزكاة إذا بلغ وزن
إنتاجه الإجمالي نحو 900 كغ فيجب فيه قيمة العشر (10%) إذا كان بعلياً تسقيه
الأمطار ، أو نصف العشر (5%) إذا كنت تستخدم الآلات والمكائن في سقيه .
ومن
أغرب المشاهدات أن القنافذ وبنات آوى تعالج جروحها بأكل الزعتر البريّ إذا دخلت في
معارك مع الحيات والعقارب التي ربّما نَهَشَتْها ؛ وقد قيل إن اللقالق إذا قاتلتْ
بعضَها وتجارحتْ فإنها تعالج جروحها به ، وكذلك تفعل السلاحف ... ولكن هذه
الحيوانات والطيور لا تأكل كثيراً من هذه النبتة.
والزعتر
البري ليس من نبات الرعي عند البهائم إذ هي لا تتناول سوى كميات علاجية منه، فإذا
لم تجد غيره وأكلت منه كثيراً هلكت بعد حين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق