ثبت لأهل غزة وما حولها من الشرف أن إمامنا
الشافعي رحمه الله قد ولد بها ، ولا ندري موضع ولادته بالضبط فقد أخرجته أمّه
الأزديّة صغيراً منها وهو دون العامين بعد وفاة والدة وذهبت به إلى مكة ، ثم ترحّل
في الأرض نحو العراق واليمن ومصر وليس له ذكريات طفولة في غزة ولا أصحاب إلا ما
يكون في المرء من حب استطلاع للمكان الذي نبت منه ، وقد ذكر ياقوت الحموي المتوفى
سنة أي بعد نحو أربعمائة عام من وفاة الشافعي التي كانت في 204 هـ روايةً بصيغة
التمريض (يُرْوَى) أن الشافعي قد تشوّق إلى غزة فقال فيها:
وإني لمشتاق إلى أرض غزةٍ ... وإن خانني بعد
التفرق كِتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرتُ بتربها ...كَحَلتُ به
من شدّة الشوق أجفاني
ثم وجدنا ياقوتا الحموي نفسه في مادة (
طنزة) من معجمه البلداني الكبير وهي بلدة في ديار بكر شرقي تركيا في الجزيرة
الفراتية ، يثبتها لإبراهيم بن عبد الله الطنزي نقلاً عن كاتب صلاح الدين الأيوبي
الشهير بالعماد الأصفهاني ، ولمّا رجعنا إلى كتاب الأصفهاي المطبوع "خريدة
العصر وجريدة القصر" وجدناه يثبت البيتين للطنزي وأنه وجدهما بخط الطنزي نفسه:
وإنّي لمشتاق إلى أرض طَنْزَةٍ ... وإن خانني
بعد التفرُّق إخواني
سقى الله أرضاً لو ظَفِرْتُ بتُربها ... كَحَلْتُ
بها من شدة الشوق أجفاني
ثم شاع البيتان أنهما للشافعي مع تغيير بدائي مكشوف في عجز البيت الأول وبتغيير
(طنزة) إلى (غزة) بعد إشارة ياقوت الذي أوردها بصيغة التضعيف دون ذكر من نقل له
ذلك، وكأني به ينقلها عن خطيب جمعة أو قاص حكاية أوردها على سبيل المشاكلة لغاية الإمتاع
والظرافة .
ولم أجد أحداً من القدماء ذكر البيتين
للشافعي ، ولا يغرنّك أن البيتين مذكوران في ديوان الشافعي فمعظم دواوين الشافعي
المنشورة تخلو من أي تحقيق علمي في نسبة الأبيات إلى صاحبها، بل إن كثيراً من
أشعار الديوان ليست للشافعي، وقد غرّهم ورودها في مخطوطات متأخرة للديوان تعود
للحقبة المملوكية صنعها مؤلفوها دون تثبّت ، لاسيما أن الناس ولاسيما من القصاص
ظنوا أن كل أشعار الحكمة يصحّ نسبتها للشافعي ، وما يثبت للشافعي من الشعر قليل
مذكور في تراجمه القديمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق