السبت، 9 يوليو 2016

الهرّ المعلِّم !



علمني الهرّ أن الانتماء للمكان لا للشخص ، فالهر لا يتبع صاحبه إذا خرج عن مكانه، بعكس الكلب الذي ينتمي إلى صاحبه ! الهر إذاَ كائن وطني !
علمني الهرُّ أن الجميع في المكان الواحد الذي ينتمي إليه يستحق الدرجة نفسها من المطاوعة والألفة، فالكل متساوون عنده ما داموا يمنحونه ويكرمونه ويلاعبونه .
علمني الهرُّ معنى تبادل المصالح فالمكان يتسع له ولي ما دامت بيننا مصالح مشتركة نتفق عليها ، هو يعطيني فرصة للإقامة في سلطانه وأنا أمنحه المأوى والطعام ، وأما من ينافسه في مكانه كهرّ ذكر آخر فإن الحرب تشتعل بينهما ااحفاظ على المكان.
يعلّمك الهر الثقة بنفسك، فهو لا يقطع عليك كلامك وشغلك، وإذا كلمتَه فإنه ينصت لك ولا يصدر صوتاً ، وينظر بعينيه الواسعتين المدوّرتين إليك وحدك ولا يرمش فلا تراه إلا فاهماً قانعاً بما تقول .
علمني الهر كيف أقطع من طعامي قطعة أضعها في فمه بحبّ ورحمة فكسر في نفسي معنى الاحتكار والاستئثار .
علمني الهر كيف أقدِّم الحنان للآخر وكيف أضمّه إليه ، وكيف أجعل علاقتي سعيدة مع الآخرين !
علمني الهر أن الصمت لا يعني الجهل والبعد بل يعني القربَ والألفة .
كل حركة منه تجعلك تبتسم ، وتثير الحديث والنكتة ، فيضفي كلامك جوّاً من الأنس والانشراح في محيطك .

لا تجده غاضباً لأي سلوك استفزازي منكَ إلا إذا جاع ، فعند ذلك يعلن أنك لا تستحق جواره والعيش في سلطانه المرن .
الهرّ يمنح الأسرة ضحكة بريئة غير مصطنعة وهو يتعامل معنا بفطرة طبيعية صافية.
الهر هذا الكائن العجيب يجمع بين كونه بريّاً كأعمامه من الفصائل السِّنَّوْرِيّة المتوحشة وبين كونه أليفاً داجناً يمنحك الفرصة لتأنس معه وتعيش في عالمه؛ من هذا التناقض تتعلم الحكمة وترقّ الطباع.
يمكنك أن تجعل من الهر لاحماً وأن تجعله نباتياً، فهرّ منزلنا الأشقر يحب الزيتون، وهرنا المبقّع يحب الفول والخبز واللبن، وعندما قدّمنا لهما اللحوم توحّشا وساءت أخلاقهما وأصبحا شرسين يتعاملان بأنيابهما ومخالبهما . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق