يأتي أحدهم ويقول: إن هؤلاء الجنود يقدّمون
أغلى ما يملكون في سبيلنا فواجبٌ علينا أن نقدّم لهم أعلى ما نملك في سبيلهم !
كان كائناً فصيحاً يطرب الناس لمختار كلامه
ويظنونه ينطق بالحكمة المطلقة ، فهؤلاء العسكر هم حرّاسنا وحماة ثغورنا ، لولاهم
لما كان هناك استقرار ولا أمان ولا دولة !
بهذه الكلمات كان يخدع الناس فإن أحدنا لا
يعترض على رفع مقام العسكري والاحتفاء بنضاله في سياقه العسكري النبيل ، إنما
اعتراضنا على وضعه في غير سياقه الذي يُحْسِنه ويليق به ، فمداخل السياسة والمجتمع
غير مداخل العسكر والأمن ، ومخارج هؤلاء غير مخارج أولئك .
باختصار:
نريد ممن يحكمنا إذا اختلفنا معه أن يتعامل معنا
بمنطق الربح والخسارة لا بمنطق النصر والهزيمة ؛ إذا رأى أننا نصيب في معارضتنا
فإنّه يَزِن كلماتنا وسلوكنا فيقترب منا إذا رأى مصلحة راجحة ولو كانت قليلة ،
ويدعُنا نعارضه إذا وجد في كلماتنا وسلوكنا اتجاهاً نحو الخسارة ، فكل شيء عنده
موزون بالنسبة.
ولا نريد حاكماً يرى في معارضتنا له عداوةً
فيتعامل معنا كالأعداء فيقرر هزيمتنا والانتصار علينا والوقوف على جثثنا ، ويرى في
ذلك حمايةً للشعب ووفاءً للوطن !
نريد هويّة وسطاً منيعة ذات أخلاق ، وهي
هوية لا تتربّى إلا في بيئة الحرية ، وبيئة الحرية لا تتعايش مع بيئة العسكري الذي
يعتاد نمط إلقاء الأوامر أو تلقّيها، ويستجيب لها بالسمع والطاعة وإذا قصّر فيها
عوقب بالسجن أو طلقة في رأسه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق