الخميس، 29 يونيو 2017

صناعة الافتراء

مضاحكة الناس من الوعّاظ أمر محبوب يستخدمونه في تفتيح القلوب وترطيب النفوس وغرس الإيمان برفق في نفوس العامة، لكنْ أن يجمع هؤلاء الوعظَ والمضاحكةَ والسخفَ وتركيب الوقائع وتزييفها ليخدموا أجندات سياسية لا علاقة للإيمان والتديّن بها ومسايرة الفتنة القائمة بين الدول وحشر الناس في أتُونها فهذه جريمة دينية وأخلاقية واجتماعية وسياسية أيضاً،مثلما صدَر عن مفتي مصر الأسبق علي جمعة في سخرياته من أحد أطراف الخلاف الخليجي القائم اليوم.
الإمارات ( وهي بهذا الاسم ائتلاف سياسي حديث التكوين ولم يكن ثمّة إقليم يحمل اسم الإمارات من قبل) ودولة قطر كانتا جزءاً من عُمان ـو يمكن القول إنهما الإقليم الشماليّ لعُمان في الحقبة الأموية، وكانت قطر بلداً محسوباً على عمان وربما قيل إنها من البحرين إذ إن قطر بين عُمان والبحرين (الإقليم الشرقي للسعودية اليوم) ؛ فلو كان الشيخ صادقاً لقال إن المهلب بن أبي صفرة الأزدي عُماني وكذا قطري، فهو خلاف بين عُمانيين في المفهوم الإقليمي السكاني لا السياسي !
ثم إن الناس اختلفوا قديماً في موضع ولادة قطر وسبب تسميته أو تلقيبه باسم قطري فمن المعروف أنه ولد بالأعدان فقال بعضهم إنها قرية قريبة من الخوير في شمال شبه جزيرة قطر الحالية، وقال آخرون هي موضع يتاخم ساحل الكويت باتجاه حفر الباطن السعودية حيث هي مضارب بني مازن التميميين، ولم تكن قطر في ذاك الحين منزلاً للمازنيين .  
ولو ضبطنا اسم قطري بكسر القاف وسكون الطاء كما يقول بعضهم فسيكون من أهل العراق كما قال بعضهم.
ثم إن علي جمعة يصدمك بضعف حصيلته اللغوية التي تظهر في عدم الضبط والتحرير المعروف عن العلماء فقطَري بفتح الطاء وليس بسكونها كما لفظها علي جمعة، وغريمه هو المهلب بن أبي صفرة الأزديّ وليس المهلب بن صُفرة !
ثم أخطأ علي جمعة خطأ تاريخياً خائباً يدل على تعمّده للفنة وتقصّده لها بتركيب وقائع لا تستند إلى أرضية فالذي قتل قطرياً ليس المهلب رغم كثرة الوقائع بينهما بل سفيان بن الأبرد الكلبي قائد جيش أموي بعث به الحجاج، وكان الذي باشر قتل قطري سَوْرَة بن أبجر الدارمي بعد أن تمزّق صف الأزارقة الخوارج واختلفوا على بعضهم.



الأربعاء، 28 يونيو 2017

صدقات الأعداء !

وترى أقواماً يمنّون على المقاتل والمرابط بما أنفقوه من قبل على إسنادهم لخلافٍ أو فساد رأيٍ أو تغيّر في المزاج أو انقلاب في السياسة، وما يدرون أنهم بذلك قد اقترنوا بالخسّة واتّصفوا بصفة الكلْبيّة وهي مثال السوء (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء) فقد قال رسول الله كما في الصحيحين فيمن يعود في صدقته وفي هِبته أي تبرّعه ويستعيدها ممن وقَعتْ في يده: ( الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ ، كَالْكَلْبِ يَقِىءُ ، ثُمَّ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ ) فقد قرَنه بالكلب وجعل ما يطلبه قيئاً مستقذراً مستقبحاً ، وإنما كان الفعل خسيساً لوجوه:
-        أن الإنفاق مع الشعور بأن ما ينفقه مقهور عليه وأنه إتاوةٌ تُدفَع تقيّةً ينبئ عن نفس ثقيلة فاسدة وطبعٍ شرير ونيةِ غدرٍ وأنه ليس لوجه الله وليس في سبيله، وحال هؤلاء كحال هؤلاء الأعراب الذي قال الله عنهم:  {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}
-        أن المجاهد والمرابط مستحق للدعم والإسناد بكل وجوه الصدقة والتبرع لاسيما إن كان يقوم مقام القاعدين فيما هو فرضٌ عليهم كما قرره الفقهاء في شأن وجوب الدفاع عن فلسطين وتحريرها مما لا خلاف فيه بينهم.
-        أن الكرم والإحسان من صفات المحسنين النبلاء الكرام والكريم لا يعود في هبته، ولا يُحصِي معروفه، ولا يسيء للناس ويغلظ عليهم ويؤذيهم في المنّ بها فإن عاد عنها فقد بطلت صدقته، وعاد بالخيبة والخسارة: (يآ أيُّها الذين آمنوا لا تُبطِلوا صدقاتِكم بالمنِّ والأذى)، فسوء الخلق هنا يفعل فِعلَ الخلّ عندما تمزجه بالعسل.
-        إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، والمنّ بالصدقة فعل لئيم مردود على صاحبه، ويهدم صنيعته التي يظهر عليها الخير شكلاً .
-        قد علّمنا الله أصول التبرع والصدقة المباركة باستصحاب الإحسان في أدائها بطيب القول : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى).
-        ومن أصول المعروف وحقه عليك أن تستره وترى فيه وجه الله وسبيله لا أن ترائي به وتستعلي.
-        ومن أصول السلوك المجتمعي أنّ مَنْ منّ بمعروفه سقط شكرُه ولم يعُدْ من أهل الفضل ولا قيمة لما ظهر مِن سابقِ إحسانه.
إن الأيادي أربعة: فواحدة بيضاء وهي التي تفتتح المعروف وتبتدئه ، وثانية خضراء وهي التي تواظب عليه وتنمّيه، وثالثة صفراء وهي التي تستخدمه في الدعاية والتسويق لأغراض دنيوية ومصالح سياسية، ورابعة سوداء وهي التي تمنّ به وتؤذي مستحقيه ، فقِفْ حيث يحب الله أن يراك.
د. أسامة جمعة الأشقر


الجمعة، 23 يونيو 2017

تراويح طائرة !

كبّرنا مع الإمام تكبيرة الإحرام ، قرأ الفاتحة وبعضاً من سور المفصَّل في التراويح بصوته النديّ، وركعنا وسجدنا مرات ومرات... ثم لم أشعر بنفسي إلا جالساً للتشهد في الركعة الأخيرة !
أصابني الذعر مما فاتني، لقد غاب عقلي وحسي عن الصلاة تماماً، استرجعتُ الشريط فإذا بي كنتُ مشغولاً في تحليل مسائل وحل إشكالات والسياحة في الأحلام وتذكّر الأصدقاء ومراجعة مواقف ...
لقد فقدتُ روحي، فقدت التواصل مع عالم روحاني إيماني كنت أمدّ حبالي له إلى الأعلى لأصل إليه بجهد ! وتذكرتُ حديثاً مخيفاً رواه ابن ماجه: "من تشعّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يُبالِ اللهُ في أي أوديتها هلَك " أي أنني سأنغمر في أودية الهموم الدنيوية دون معين أو سندٍ.
لم يكن قلبي حاضراً خاشعاً ... فليس لي إذاً من صلاتي إلا ما حضر فيه قلبي وعقل، فكأنني لم أصلِّ !
الصلاة مناجاة ، وعندما غفلت عن المناجاة ذهبت صلاتي عني !
كنتُ غافلاً عن ذكر ربي ، فلم أجد قرة عيني في صلاتي ، ولم يرتحْ بها بالي ، لأنني لم أدخلها بعقدٍ وعزم ونيةٍ ابتداءً ! ومضت الركعات هكذا دون تدبّر وخشوع !
هل هذه الصلاة تنهى المرء عن الفحشاء والمنكر كما جعلها الله !
كان عليّ أن أتدبر معاني التلاوة (حتى تعلموا ما تقولون) ، وأُدركَ معنى الركوع، وأقترب حين السجود، وأخضع حين الجلوس، وأستسلم حين السلام !
وإني لأرجو الله أن يغفر لي إذ كانت جوارحي تستجيب للنداء على العادة مما يعني أنها قديمة في هذه العبادة لولا ما أصابها من ذهول وسهو وفراغ قلب واعتياد ! مع علمي أن ما اقترفتُه – ولو أسقط عني واجب أداء الصلاة ظاهراً- فإنه مستحق للعقوبة، مستوجِبٌ للاستغفار والندم والتوبة، وكما قالت العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: ( رُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السهرُ، وربّ صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش ) يعنى أنه لا ثواب له لفقد شرط حصوله من نحو إخلاص أو خشوع، أما الفرض فيسقط طلبه.


الخميس، 22 يونيو 2017

عندما يجعلون القدس لعباً ولهواً !

يكره هؤلاء القائمون على أمر الحكم والسياسة القدسَ إلى حد الخيانة – وهم معروفون بالإشارة الشعبية - وذلك أنهم يصطنعون حبّها أمام شعوبهم وادّعاء نصرتها في دكاكين إعلامهم بينما هم ملتزمون بتبرير العجز عن فعل شيء لها إلا على سبيل الدعاية أو الادعاء أو العلاقة بشأن داخلي لاسيما أن سقوفهم السياسية موصولة بشبكة مصالح مع العدو باتصال مباشر أو غير مباشر وليس ذلك بالضرورة التزاماً بأوامر أمريكا بل هي ممارسة تلقائية ورد فعل مباشر يبحث عما يرضي أمريكا فيفعله أو يغضبها فتتجنبه إذ هي الوليّ الاستراتيجي والنصير القريب من دعائهم.    
تصنّع الحب وإظهار الاهتمام الشكليّ وإن كان نادراً عزيزاً من هؤلاء أيضاً فإنه ليس من المكارم الدنيا التي يظن بعضنا أنه ينبغي تشجيعها فيهم بل إن الأَولى الآن هو في فضحهم وكشف أدوارهم الخبيثة والمتوارِية، ولن يعود هذا الإجراء على القدس بالمضرّة والمَسَاءة المظنونة، لأن الوضع بلغ من السوء مبلغاً لا يحتمل المجاملة لاسيما مع إصرارهم اليوم على ضرب المقاومة المحاصَرة في فلسطين واتهامها بلا مناسبة وحشرها فيما ليس لها فيه ناقة أو جمل، بل إن بعض الدول صار جزءاً من سياسة المحتل في الاستيلاء على بيوت المقدسيين وتسليمها للصهاينة وفق صفقات لئيمة.  
وشبيه هذا ما يحكيه ربنا تعالى عن عبادة كفار قريش واهتمامهم بالكعبة والتعبّد فيها على طريقتهم المُفاخِرة بلا إيمان ولا اعتقاد بالصفير والتصفيق: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} وهذه الآية معطوفة على جملة {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إنهم يصلون لكنها صلاة لعب وعلى قاعدة الصدّ عن عبادة الله .

والتشبيه الأليق بهؤلاء هو أنهم يلعبون بأمر القدس ويتخذون من القدس لعباً ولهواً ، واللعب هنا لفظٌ حسّاسٌ ذو مسيسٍ قويّ مأخوذ من اللُعاب وهو السائل اللزج في الفم، يسهل بصقه والتخلص منه كما يفعلون في شأن القدس، فاللعب فعلٌ تائه مشتت غير جادّ ليس له مقصد صحيح .

الثلاثاء، 20 يونيو 2017

من فاز بليلة القدر !

عاصفة ترابية عنيفة اجتاحت الفضاء واقتلعت سَكينة العابدين المتهجدين خارج المسجد الجامع ثم تلتها أمطار غزيرة تصب صباً وكأن السماء قد تخرّقت قِرابُها وقُدّت من قبل ومن دُبر ... .
 نساء عابدات لم يُتحْ لهن مكان داخل الجامع المكتظ بالرجال ... لم يشعر الإمام الذي يطيل القراءة بأن ثمة المئات من النساء والأطفال يتعرضن لقصف المطر... ولم يشعر الآباء المتهجدون الذين وضعوا جوالاتهم الصامتة في جيوبهم ابتغاء الخشوع أن ثمة فائرةً تفور وصيحاتٍ تنادي...
نساء متهجدات متلفعات بمُروطهنّ المبتلّة لم يتزحزحن عن مواضعهن تحت زخات المطر البارد، لم أعرف ما يفعلنه حتى رأيت كهلاً يقف عند باب بيته الطيني وهو يذوب في الماء رافعا يده الغارقة إلى السماء كأنه يقول : يا رب إنه ماء مبارك أنزلته في ليلة مباركة، تلمع فيها سماؤك وتضيء ... اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا... يا الله ! ويمدها بكل صوته ...
 أما أنا فقد قرصتني نملة سوداء صغيرة تعتاد التسلل إلى منزلي من شقوق البلاط القديم وحقنتني بسمها اللاذع بين أصبعي قدمي وأنا في جلسة التشهد أطاشت سكينتي وأذهبت خشوعي وقطعت عليّ صلاتي حتى مطلع الفجر... 
فأينا أدركته بركة ليلة القدر - إن كانت - !
 اللهم عفواً منك ومغفرة وستراً !!

الاثنين، 19 يونيو 2017

مدخل لفهم ليلة القدر !


ليلة القدر !
بلغ الاحتفاء بهذه الليلة مبلغاً عظيماً أدخلها في طقوس الناس ومعتقداتهم الشعبية، واتخذها المحتاجون لقلوب الناس وجيوبهم مدخلاً لمغافلة الناس وإظهار الديانة في أنفسهم المعادية للدين.
باتت هذه الليلة غاية أمنيات المحرومين الباحثين عن انفتاح ليلة القدر بحياة جديدة تغيّر ما هم فيه من بلاء ومعاناة وكدّ، وتجد بعضهم يجتهد فيها اجتهاداً لم يكن يفعل من أصله شيئاً فيه اعتقاداً منه أن هذه الليلة سترفعه إلى مقامات رفيعة لا يبلغها العابد المجتهد طوال العام الذي لم يحظَ بإدراكها .
وفي الصباحات تنتشر بينهم ترجيحات موافقة الليلة وعلامات وقوعها بصفاء الشمس واعتلال الهواء وتناثر الأنوار المتخيّلة في الأذهان الحالمة، وهناك يختلفون بفرحٍ ويتمنى كل أحد أنها تلك الليلة التي اجتهد فيها وبالغَ .  
يظنون أنها سهلة المراد لاسيما أن إطارها الزماني تقلّص إلى ليالٍ عشرة، بل أعطتهم الثقافة الشعبية موعداً محدداً نهائياً أنه هو ليلة السابع والعشرين، مع ملاحظة جانبية بأنه يمكن أن يكون هناك احتمالٌ بأن تكون في ليلات فردية أخرى ضمن العشرة الأخيرة من رمضان.
ليلة القدر جليلة القدر لكن ينبغي رعاية موضعها ... فالتفخيم في الأساس لهذا القرآن الذي نزلت آياته في تلك الليلة، وفهمنا التفخيم من إضمار اللفظ وإخفائه والاكتفاء بحضور أذهان الناس إليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر" ألمْ يقل الله من قبل: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" !
فالتفخيم ليس للزمان وإنما لوقوع الأمور الشريفة فيه، وأشرف ما في هذا الزمان هو إنزال القرآن إلى الناس في هذه الأرض ليكون هدى وفرقاناً إلهياً نهائياً  فلا رسالة ولا نبوة ولا وحي بعده؛ وفي هذه الليلة يقدّر الله التوازن الشامل وفق ميزان الحكمة الإلهية الشاملة بأحكام وأقضية نافذة " فيها يفرق كل أمر حكيم".
لم ينزل القرآن إلا في ليلة واحدة في واحد من شهور رمضان في الحقبة المكية للدعوة الإسلامية، وهي ليلة معلومة لرسول الله وحده، هي ليلة منحها الله صفة سماوية نامية وهي صفة البركة " إنا أنزلناه في ليلة مباركة" .  
وإخفاء ميقات الليلة مقصودٌ، ليكون الباحث عنها جادّاً مريداً قاصداً، ولا يكون كذلك إلا أن يكون عارفاً بفضلها ومكانتها وأسباب شرفها، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون عملَ على بلوغ نعتِ الكمال والتمام بمحاولة الاقتراب من ظل المثال المنشود في التعبّد.
إنك مهما فعلتَ وفهمتَ وحاولتَ الإدراك عن حقيقة هذه الليلة فإنك لن تبلغ حد الإدراك، إنه أمر مستبعد لا يكون : " وما أدراك ما ليلة القدر" وكيف ستدرك معنى نزول أعداد هائلة من الملائكة في ظرف زماني غير محدد في مناطق شاسعة مختلفة المطالع والمغارب وفي إطار مكاني غير معلوم، وفي الملائكة سيدهم جبريل الذي اءتمنه الله على تبليغ الوحي القرآني لآخر المبعوثين من الله إلى خلقه ... هذا الملاك العظيم الذي استعرض لرسول الله في السماء بأجنحته المئوية الممدودة وهي تسدّ الأفق الواسع !
كيف يمكنك أن تدرك أن هذه الليلة فيها من الخيرية غير المحدودة والمعلومة ما يتجاوز خيرية ألف شهر ... في هذه الليلة بركة لا تكاد تنتهي بمنحة دافقة من الله مانح البركات ، وكأن فَرْق الأمور الحكيمة وتنزيلها يكون في هذا الحشد النوراني العظيم ... هناك تنفتح خزائن الله (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) !
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله امتيازاً لدعوتنا لشهود هذه الليلة واقتباس نورها، ولكن المشاهد العظيمة لا يبلغها السالكون إلا بعناء، ألم ترَ أن رسول الله عندما نزلت عليه أولى آيات القرآن في غار حراء في ليلة القدر عاد إلى زوجه خديجة مكدوداً متعباً يقول: زملوني زملوني!
هذه اللحظات التي كانت التجريب البشري الأول لشهود الليلة سهّلت علينا التعرف إليها بتلك التوجيهات والإرشادات النبوية لاسيما مع تكرر شهود رسول الله لها كرامةً لهذا النبي العظيم المحمّل بإرث هذه الليلة " القرآن" ...  !
إن المدخل لفهم ليلة القدر وتبيان حقيقتها واستدراج خيرها هو في مفتاح البركة التي أرشدتنا إلى أزمنتها وأمكنتها وصفاتها وملابسات معانيها نصوص رمزية سهلة التفكيك تكاد تكشف عن نفسها للباحث القاصد ( إنا أنزلناه في: " ليلة القدر = ليلة مباركة") ... تأمّل فربما تنفتح عليك في لحظة إقبالٍ متصل فترى فيها ومضةً بارقةً تصيبك بالبركة فينمو كل شيء يتصل بك في خير !

واستحقاق البركة فيها مفهوم من تنزّل الملائكة على مَن جمع بين شدة الاعتقاد (الإيمان) والتزام السلوك الأمثل (الاستقامة) : فكما تنزَّلُ الملائكة في ليلة القدر فإنها تتنزل على هؤلاء جالبة معهم شعائر ولاية الله في الحياة الدنيا والآخرة وراحة البال والبشارة بالجنة : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ... ) .

الخميس، 15 يونيو 2017

تحقيق العلوم ونابتة القصّاصين !

لا أحب انتقاد أعيان الناس في العلوم فذاك منهج شخصي مُضرّ لكننا ننبِّه على ظواهر مخدومة إعلامياً يُراد لها أن تُشيع في الناس الاضطراب بإعادة التظهير والتركيز على الشبهات وخلط الأوراق، وتجد أن أكثرهم فتنة هم من ركنوا إلى بعض السلاطين فوضعوهم باعةً في دكاكينهم، وتجد أحدهم يفاخر بدوره، وينسى قوله تعالى : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) ، يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: "وأشد الخلق تعرضاً لهذه الفتنة العلماء فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء، والفرح بالاستتباع، والاستبشار بالحمد والثناء، والشيطان يلبّس عليهم ذلك ويقول: "غرضكم نشر دين الله والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم". 
وقد وجدتُ بالنظر والمتابعة أن كثيراً من هؤلاء أذكياء درسوا أصول العلوم ثم امتازوا بمنهجية السؤال والاستدراك على المسائل غير المدلل عليها فوجدوها كثيرة فاجتهدوا في تبيينها وربما أعجزهم ذلك فانفتحوا على علوم الآخرين من المخالفين فازدادوا تخليطاً وشبهةً حتى تركّب ذلك فيهم وصاروا ممن يتلبّسون بالشبهة مجاهرين بها واستخرجوا منها غرائب أقوالهم.
وقد وجدتُ أن هؤلاء رغم ذكائهم وبحثهم فهم غير محققين وليس لهم جَلَدٌ في بحث المقدّمات وتحليل الظواهر وربط المعطيات ببعضها وذلك أنهم يبحثون في كل فن وفي كل عصر ولم يتخصصوا فصاروا أكثر جرأة على الفتوى وادعاء حسم المقالة، ولذلك ترى بعضهم ممن يهديه الله يتراجع بعد حين ويظهر الندامة .
وبعضهم لا يتمتع بمعرفة تأسيسية في تراثنا التشريعي واللغوي والتاريخي، ولا يتوسع في معرفة مصادر التشريع وفلسفة التشريع ولكنه يتمتع بمنهجية ذكية يستند فيه إلى قراءة تعتمد الأسئلة في شرح كل آية قرآنية ( لماذا، كيف، أين، متى)  ولا تسعفه ثقافته الشرعية ولا اللغوية في تحصيل المعاني فيميل إلى الاجتهاد وبيده بعض المراجع اللغوية السريعة. 
إن مشكلتنا الحقيقية في غياب التحقيق عن كثير من فقهائنا ومؤرخينا ومحدّثينا وعلمائنا المظنونين... الذين اتجهوا صوب التدريس الجامعي أو المنبري وكتابة البحوث غير المفيدة، وتركوا الناس في تيه عظيم وسط هذه الأمواج من الواعظين القصاصين، ولم يناقشوهم ويبينوا لهم الصواب بالمنطق والعلم المحقق . 

الاثنين، 12 يونيو 2017

طواف الاسم في القدس



ومن علامات العشق أن يُسَرَّ العاشقُ ببعض ما ينتسب للقدس، أو يتصل به، كأنْ يُهْدَى إليه زيتها - وأغلاه وأثمنُه وأكرمه ما كان من معصوراً من حبات شجرة زيتونة مباركة نابتة في ساحات المسجد الأقصى وداخل أسواره، فهي عزيزة جداً - أو تُهدَى رخامة من بلاط مسجدها، أو عطراً مستخرجاً من زهراتها، أو زعتراً بريّاً محشوشاً من برّيّتها، أو ثوباً منسوجاً في أنْوالها أو مَغازلها؛ ويحضرني في هذا المقام قول ابن حزم: " ومن القنوع أن يُسَرّ الإنسان، ويرضى ببعض آلات محبوبه، وإن له من النفس لموقعاً حسناً، وإن لم يكن فيه إلا ما نصّ الله تعالى علينا، من ارتداد يعقوب بصيراً حين شمّ قميص يوسف عليهما السلام " ... ومن هذه العلامات أن يحمل أحد النبلاء رمز العلامة عليك والمسمى على وجودك بتوقيع اسمك في سجل الحاضرين في حضرة القدس المباركة في نهار رمضان المبارك فتفرحَ وتسعدَ وتشكرَ مَن خطَّ وطاف باسمك في ساحاتها .

الأحد، 11 يونيو 2017

البهتان !

[وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً] سورة النساء .
الخطيئة والإثم : المعصية الصغيرة والمعصية الكبيرة؛ أو الخطيئة: هي الذنب الذي يعود أثره على فاعله، والإثم: هو الذي يتعدى أثره على الآخرين كالقتل والظلم والقذف؛ أو الخطيئة: هي الفعل المنهي عنه، والإثم هو فعل هذا المنهي عنه عمداً .
يرم به بريئاً: ينزع أحدُهم -فرداً أو هيئة أو جماعةً أو دولةً- الإثمَ عن نفسه ثم يرمي به بريئاً غافلاً وينسبه إليه ويحتال لترويجه.
والرمي في الحقيقة قذف الشيء، وأيّ خبرٍ أو وصفٍ نسبتَه إلى آخر فهو رميٌ، وأكثر ما يكون في هذا الخبر أو  الوصف أنه افتراء وغير واقع.    
والبهتان: الكذب الفاحش الذي يتحيّر الإنسان من عِظم الافتراء والمنكر والكذب فيه إذ يتأسس على باطل عظيم ويروّج له بإفك عظيم .
هؤلاء الكذابون المفترون جاء وصفهم أنهم يحملون على أعناقهم حملاً عظيماً هو فوق قدرتهم على احتمالهم، لِما سيلحق بهم من الذم العظيم في الدنيا، ثم العقوبة العظيمة في الآخرة لأن إثمهم بيّن لا شبهة فيه، وهو إثمٌ ظاهر فاحش متعدٍّ، لأنه بكسب الإثم «آثم» وبرمي البريء «باهت» فهو جامع بين الأمرين إذ هو قد فعل الخطيئة ورمى بها بريئاً ؛ ولذلك ورَد استخدام لفظ « احتمل » وليس « حمل » فاحتمال الشيء فيه شدة ومكابدةٌ ومشاقّة في حمل هذا العبء الثقيل.

فليستعد هؤلاء الكذابون لهذا الحمل الثقيل في الدنيا والآخرة، وفوق ذلك سينالهم من هذا الافتراء افتراءٌ وأذى جزاء فعلهم ... (وجزاء سيئة سيئة مثلها).

السبت، 10 يونيو 2017

جزيرة توتي - شلال النيل السادس -وخور أبو عنجة -وحضارة الشهيناب في العصر الحجري #أرض_السمر

https://youtu.be/tDdCi3_VdqM

قبل أن تمسهم النار !


قال تعالى :{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113) سورة هود
الركون إلى الشيء ليس مجرد ميلٍ وسكونٍ إليه بمحبة، بل أن تتخذه سنداً ومعتمداً، أو بالمعنى السياسي أن تتجاوز علاقتك به حد الصداقة أو علاقة حسن الجوار إلى علاقة التحالف الوثيق، وأن تكون متوافقاً معهم منسجماً مع سياساتهم.
الآية لا تحذر من هذا النمط من العلاقات في العموم وإنما تحذر من العلاقة الخاصة في التحالف مع الظالمين بالركون إليهم والاعتماد على نصرتهم وتدخلهم ونفوذهم وصولاً إلى طاعتهم ومداهنتهم واتخاذ سياساتهم الاستراتيجية سقوفاً لسياساتك وتحركاتك وعلاقاتك، وربما وصل الأمر إلى محاكاتهم وتقليدهم في الجانب الاجتماعي باتخاذ لغتهم وزيّهم وأسلوب حياتهم.
والآية بالغة الدقة في تحديد مجال العلاقة المقابل" الذين ظلموا" ولم تصل إلى وصفهم بالظالمين الذين استقرت لديهم حالةُ الظلمِ والتجاوز والاعتداء ، فهذه العلاقة مع الذين وقعت منهم حالاتُ ظلمٍ غيرُ مفيدة ابتداءً، ويقرر القرآن أن هذه العلاقة لن يجد فيها الراكنُ إليهم معتمداً وسنداً، كما أنه لن يجد النصرة التي يأملها فيهم؛ وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فما بالكم فيمن استند إلى ظالم محترف عريق في تعدّيه وتجاوزه !
العقوبة المباشرة لهؤلاء الذين يركنون إلى الذين ظلموا "فتمسكم النار"، فالركون إلى الذين ظلموا موجِبٌ للعقوبة، فإذا كان الظالم عقوبته النار، فإن الركون إلى الظالم يقترب بالنار منك فتمسّك وتحرقك بقدر اقترابك منهم وهذا عدلٌ من الله ورحمة بك أنْ عاملك بغير ما قرره على الظالمين، وربما كان التهديد بالمسيس إشعار بالعذاب المرتقب إذا تجاوزتَ خط العلاقة .

إن جنوحَك للسلم والعلاقات الطيبة الهادئة مع الآخرين لا يعني تبني سياساتهم والاستقواء بهم على إخوانك وجيرانك .

الجمعة، 9 يونيو 2017

تصبح إماماً وتمسي إرهابياً !

عندما هبطت الطائرة القطرية التي تحمل الشيخ يوسف القرضاوي إلى دمشق لأول مرة بعد نحو خمسين عاماً كان قلب الشيخ يخفق ويشعر بالقلق إذ إن ثمة حكماً قديماً بإعدامه من أحد الأنظمة الشمولية الانقلابية التي حكمت سوريا آنذاك ...
حظي الشيخ باستقبال كبير في صالة كبار الزوار ثم حظي بموكب تشريفات سارت به إلى قصر صغير ليفاجأ أن ثمة من ينتظره هناك !
إنه الرئيس السوري بشار الأسد !
بادر الرئيس بالحديث إلى الشيخ قائلاً: إنك مثال للتنوير في العالم العربي ، وأتمنى أن يكون العلماء على مثل منهجك المعتدل الواضح ... إنني أشاهد برنامجك " الشريعة والحياة" كل أحد، وأستمع إليه باهتمام، وإذا فاتني فإنني أشاهده مسجلاً ، مرحباً بك وأهلاً بين أهلك !
صدرت التوجيهات الرئاسية لكل وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية بالاحتفاء بالشيخ فاستقبلته دار الإفتاء وكلية الشريعة والمعاهد الدينية ونقلت القنوات الأرضية السورية محاضراته وندواته ... وجرى تقديمه للناس أنه الإمام العلامة المناصر للمقاومة ... !
بعد اندلاع الأزمة السورية تحول الشيخ إلى شيطان إرهابي وكالوا له من الاتهامات ما أذهل من استقبلوه أولاً ...

إنها السياسة التي لا أخلاق لها ولا دين ... يصبح المرء ملاكاً ويمسي شيطاناً ، ويصبح إماماً ويمسي إرهابياً ...     

الأربعاء، 7 يونيو 2017

كوستي - ج1 - الحلقة العاشرة - سلسلة أرض السمر - HD 1080p



كوستي ... ميناء مراكب النيل الأبيض الضخمة

قصة اللقالق السوداء " السِّمْبِر"

قصة الشجرة الصيدلية ...

#أرض _السمر



برمجة النية !



من عادتي أن أقوم من فراشي في أي ساعةٍ أقررها ، فإذا قررتُ أن أستيقظ في الرابعة مثلاً فإن عينيّ تنفتحان قبل الرابعة بخمس دقائق حتى لو كنتُ مرهقاً متعباً أو تأخر ميقات نومي الذي أحرص أن يكون باكراً ما استطعتُ .
كنتُ أحب أن أبقى مستلقياً في فراشي في صباي، وأحب الإجازات لأنها تمنحني مواقيت نوم فسيحة ، وتغيّر الحال عندي وأنا في السنة الثامنة فيما أذكر عندما رافقتُ شباباً يقضون أوقاتهم في متابعة العلماء من مسجد إلى مسجد لدراسة الفقه واللغة وحفظ القرآن ورسمه وتحقيق تلاوته، وأذكر أنني كنتُ أقطع في اليوم ماشياً أكثر من 16 كلم في غفلةٍ من أسرتي ولاسيما والدي الذي كان يخشى عليّ أن أتورط مع مجموعات كانت تنادي بالقتال في أفغانستان في الثمانينات حيث كانت المغريات الحكومية كثيرة، فقد كانت بعض الحكومات العربية "المعتدلة" وبعض المنظمات والجمعيات الممولة منها توفر لك ثمن التذاكر ومكافأة شهرية مجزية، ولها مندوبون في كل مكان .
يسألني صديقي : إنني أعاني جداً عندما أقوم لصلاة الفجر ، ولم أفلِح في حمل نفسي على الاستيقاظ، وحتى إن استيقظتُ فلا أفلح في جرّ نفسي إلى المسجد !
قلتُ له : إنك لم تنوِ ذلك !
استغرب وأكد لي أنه ينوي ذلك بقلبه وبلسانه أيضاً: نويت أن أقوم لصلاة الفجر !
ضحكتُ من مقالته وقلت له: إن النيّة ليست إشعاراً لحواسك الداخلية بأنك مهتم بالأمر المَنْويّ القيام به، بل هو برمجة نفسية وعقلية تضع قراراً مسبقاً بوجوب ذلك وأن تفويت ذلك يعني ضرراً حسياً ومعنوياً على جهاز التشغيل الداخلي، أي أن النية إعلان استنفار بالإعداد والتجهيز وتحديد ساعة الصفر، وهذا يتطلب الجدية والعزيمة وعدم السماح باضطراب النية ومناقشة الأمر مع نفسك التي تتسلل إليها الوسوسات المُوهِنات ... حتى يصبح ذلك لديك عادةً مستقرة لكنها موصولة بخطٍّ تعبّدي حيّ يستشعر قيمة النية والفعل معاً .

تخيّل شبيه ذلك مع شخص أراد ترك التدخين أو قرر الحِمْية لتخفيف وزنه، وانظر إلى تفاوت الناس في مقدرتهم على الالتزام والمواصلة ... إنه جوهر النية !      

الأحد، 4 يونيو 2017

جبل أولياء... أرض السمر

https://youtu.be/Qz0SiM5v0xg

وستهزمون

قبلكم جاء الصليبيون بجيوشهم من أنحاء أوروبا كلها وأقاموا ممالك عسكرية على طول الشام وفي بيت المقدس أقاموا مملكة دينية !
ساقوا معهم مئات آلاف المستوطنين وأسكنوهم أرضَنا !
طردوا أهلنا من ديارهم وأريافهم ، وأخلَوا مدناً كاملة من سكانها كالرملة وغزة وعسقلان ، وذبحوا جميع سكان مدينة القدس !
تغيّرت ملامح السكان في فلسطين تماماً فالقبائل التي سكنت فلسطين قبل الحملات الصليبية هي غير القبائل التي سكنتها ثانية ، والتي جاءت أساساً لحماية فلسطين والقدس، وتأسس الشعب هناك من سلالات المرابطين والمجاهدين والمقاتلين وخبراء ترويض الأرض ...
عندما انطلقت حركة الوعي الجهادي في الأمة كانت ظروفنا السياسية والعسكرية أسوأ مما نحن فيه اليوم ومع ذلك فقد انطلق أكبر مشروع سياسي وحدوي للأمة من قلب التمزق السياسي استند إلى رؤية واحدة: "تحرير القدس" ، فعادت الأمة إلى سبيلها بعد رفع راية الجهاد .
أيها الصليبيون الجدد !
أيها الصهاينة المحتلون !
سنطردكم شر طردة ، وسنقاتلكم أشد قتال ، وسنصبر على جِلادكم أقوى ما يكون الصبر، وسترحلون خائبين كما رحل غيركم، وستُهزمون !
تقول جريدة يديعوت أحرونوت على حسابها في تويتر يوم 3/6/2017:
( خمسون عاماً مرت على حرب الأيام الستة، والمجتمع الإسرائيلي أكثر انقساماً واضطراباً من أي وقت مضى) . 

الجمعة، 2 يونيو 2017

كتّاحة رمضان !


قبيل إفطار اليوم السادس من رمضان قام عملاق رمليّ هائل من الصحراء وتحوّل إلى جبال تتحرك ببطء في موجات ثائرة  غطت عشرات الكيلومترات وكأنها بقرة مخمورة تتخبط في الطين.
إنها ظاهرة طبيعية في هذا الموسم من السنة ، حيث يشتد الحر في صعيد الأرض فيخف الهواء فيرتفع إلى أعلى فتملأ الفراغَ تيارات أبرد نسبياً وتحمل معها كميات كبيرة من التراب الدقيق المسمى "الفرناغة" تسوقه معها من مسافات بعيدة .

وعادة ما تترك هذه العاصفة التي يسميها السودانيون "الكتّاحة" وراءها مطراً غزيراً يعيد تثبيت التربة التي فقدت وجهها الرملي ، ويغسل بدن السماء المغبرّ ويسقط الأتربة العالقة في الجو .
يدخل التراب الدقيق في كل بيت ومهما اتخذتَ من إجراءات فإن جزيئات هذا الغبار تدخل من مسامات الجدران ومن شقوق النمل ومن حفائر الفئران المنزلية ومن فتحات المكيفات ومن فراغات النوافذ الخفيّة ... وعلى سيدة المنزل أن تستنفر كل سكان بيتها لينشطوا معها في التنظيف الشامل.

إذا وقعتَ تحت هجوم مباغتٍ للكتاحة فستخرج منها بلا شك وكأنك مغموس بدقيق بني شاحب ، وستخل ذرات التراب بين جفونك وفي مناخرك وفي أحافير أذنيك وفي تضاعيف ثوبك وفي تلافيف شعرك ... تحتاج إلى تغطيسة مائية عميقة .

تغلق الأسواق أبوابها، وترفع المطاعم أستارها وتصرف زبائنها ، وتسكن الدنيا من حولك ... وتحمر السماء وردة كالدهان.
لكن الجميل في هذا كله أن الشمس تنكسر سطوتها اللاهبة بتلك الطبقة العازلة فيغدو الجو لطيفاً لكنه كثير الغبار ، وتنخفض درجة حرارة ماء الصنابير والحنفيات التي تزيد عن 40 درجة في الظهيرة ، ولولا أن تلك الكتاحة تقطع معها الكهرباء لتغنّى الشعراء بها .

"الكتاحة" لفظ عربي قديم مأخوذ من قولهم "كتَحت الريحُ فلاناً" إذا سفت عليه الريح ونازعته ثوبه وحرّكته بقوة من شدتها ؛ وربما كانت الكلمة محرفة من القدّاحة التي تقدح شرارها بالأرض وتعصف .