وترى أقواماً يمنّون على المقاتل والمرابط بما أنفقوه
من قبل على إسنادهم لخلافٍ أو فساد رأيٍ أو تغيّر في المزاج أو انقلاب في السياسة،
وما يدرون أنهم بذلك قد اقترنوا بالخسّة واتّصفوا بصفة الكلْبيّة وهي مثال السوء
(للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء) فقد قال رسول الله كما في الصحيحين فيمن يعود
في صدقته وفي هِبته أي تبرّعه ويستعيدها ممن وقَعتْ في يده: ( الْعَائِدُ فِى
هِبَتِهِ ، كَالْكَلْبِ يَقِىءُ ، ثُمَّ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ ) فقد قرَنه بالكلب
وجعل ما يطلبه قيئاً مستقذراً مستقبحاً ، وإنما كان الفعل خسيساً لوجوه:
-
أن الإنفاق مع الشعور بأن ما ينفقه مقهور عليه وأنه
إتاوةٌ تُدفَع تقيّةً ينبئ عن نفس ثقيلة فاسدة وطبعٍ شرير ونيةِ غدرٍ وأنه ليس
لوجه الله وليس في سبيله، وحال هؤلاء كحال هؤلاء الأعراب الذي قال الله عنهم: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا
يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ}
-
أن المجاهد والمرابط مستحق للدعم والإسناد بكل وجوه
الصدقة والتبرع لاسيما إن كان يقوم مقام القاعدين فيما هو فرضٌ عليهم كما قرره
الفقهاء في شأن وجوب الدفاع عن فلسطين وتحريرها مما لا خلاف فيه بينهم.
-
أن الكرم والإحسان من صفات المحسنين النبلاء الكرام
والكريم لا يعود في هبته، ولا يُحصِي معروفه، ولا يسيء للناس ويغلظ عليهم ويؤذيهم
في المنّ بها فإن عاد عنها فقد بطلت صدقته، وعاد بالخيبة والخسارة: (يآ أيُّها
الذين آمنوا لا تُبطِلوا صدقاتِكم بالمنِّ والأذى)، فسوء الخلق هنا يفعل فِعلَ
الخلّ عندما تمزجه بالعسل.
-
إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، والمنّ بالصدقة
فعل لئيم مردود على صاحبه، ويهدم صنيعته التي يظهر عليها الخير شكلاً .
-
قد علّمنا الله أصول التبرع والصدقة المباركة
باستصحاب الإحسان في أدائها بطيب القول : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ
مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى).
-
ومن أصول المعروف وحقه عليك أن تستره وترى فيه وجه
الله وسبيله لا أن ترائي به وتستعلي.
-
ومن أصول السلوك المجتمعي أنّ مَنْ منّ بمعروفه سقط
شكرُه ولم يعُدْ من أهل الفضل ولا قيمة لما ظهر مِن سابقِ إحسانه.
إن الأيادي أربعة: فواحدة بيضاء وهي التي تفتتح
المعروف وتبتدئه ، وثانية خضراء وهي التي تواظب عليه وتنمّيه، وثالثة صفراء وهي
التي تستخدمه في الدعاية والتسويق لأغراض دنيوية ومصالح سياسية، ورابعة سوداء وهي
التي تمنّ به وتؤذي مستحقيه ، فقِفْ حيث يحب الله أن يراك.
د. أسامة جمعة الأشقر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق