الاثنين، 19 يونيو 2017

مدخل لفهم ليلة القدر !


ليلة القدر !
بلغ الاحتفاء بهذه الليلة مبلغاً عظيماً أدخلها في طقوس الناس ومعتقداتهم الشعبية، واتخذها المحتاجون لقلوب الناس وجيوبهم مدخلاً لمغافلة الناس وإظهار الديانة في أنفسهم المعادية للدين.
باتت هذه الليلة غاية أمنيات المحرومين الباحثين عن انفتاح ليلة القدر بحياة جديدة تغيّر ما هم فيه من بلاء ومعاناة وكدّ، وتجد بعضهم يجتهد فيها اجتهاداً لم يكن يفعل من أصله شيئاً فيه اعتقاداً منه أن هذه الليلة سترفعه إلى مقامات رفيعة لا يبلغها العابد المجتهد طوال العام الذي لم يحظَ بإدراكها .
وفي الصباحات تنتشر بينهم ترجيحات موافقة الليلة وعلامات وقوعها بصفاء الشمس واعتلال الهواء وتناثر الأنوار المتخيّلة في الأذهان الحالمة، وهناك يختلفون بفرحٍ ويتمنى كل أحد أنها تلك الليلة التي اجتهد فيها وبالغَ .  
يظنون أنها سهلة المراد لاسيما أن إطارها الزماني تقلّص إلى ليالٍ عشرة، بل أعطتهم الثقافة الشعبية موعداً محدداً نهائياً أنه هو ليلة السابع والعشرين، مع ملاحظة جانبية بأنه يمكن أن يكون هناك احتمالٌ بأن تكون في ليلات فردية أخرى ضمن العشرة الأخيرة من رمضان.
ليلة القدر جليلة القدر لكن ينبغي رعاية موضعها ... فالتفخيم في الأساس لهذا القرآن الذي نزلت آياته في تلك الليلة، وفهمنا التفخيم من إضمار اللفظ وإخفائه والاكتفاء بحضور أذهان الناس إليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر" ألمْ يقل الله من قبل: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" !
فالتفخيم ليس للزمان وإنما لوقوع الأمور الشريفة فيه، وأشرف ما في هذا الزمان هو إنزال القرآن إلى الناس في هذه الأرض ليكون هدى وفرقاناً إلهياً نهائياً  فلا رسالة ولا نبوة ولا وحي بعده؛ وفي هذه الليلة يقدّر الله التوازن الشامل وفق ميزان الحكمة الإلهية الشاملة بأحكام وأقضية نافذة " فيها يفرق كل أمر حكيم".
لم ينزل القرآن إلا في ليلة واحدة في واحد من شهور رمضان في الحقبة المكية للدعوة الإسلامية، وهي ليلة معلومة لرسول الله وحده، هي ليلة منحها الله صفة سماوية نامية وهي صفة البركة " إنا أنزلناه في ليلة مباركة" .  
وإخفاء ميقات الليلة مقصودٌ، ليكون الباحث عنها جادّاً مريداً قاصداً، ولا يكون كذلك إلا أن يكون عارفاً بفضلها ومكانتها وأسباب شرفها، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون عملَ على بلوغ نعتِ الكمال والتمام بمحاولة الاقتراب من ظل المثال المنشود في التعبّد.
إنك مهما فعلتَ وفهمتَ وحاولتَ الإدراك عن حقيقة هذه الليلة فإنك لن تبلغ حد الإدراك، إنه أمر مستبعد لا يكون : " وما أدراك ما ليلة القدر" وكيف ستدرك معنى نزول أعداد هائلة من الملائكة في ظرف زماني غير محدد في مناطق شاسعة مختلفة المطالع والمغارب وفي إطار مكاني غير معلوم، وفي الملائكة سيدهم جبريل الذي اءتمنه الله على تبليغ الوحي القرآني لآخر المبعوثين من الله إلى خلقه ... هذا الملاك العظيم الذي استعرض لرسول الله في السماء بأجنحته المئوية الممدودة وهي تسدّ الأفق الواسع !
كيف يمكنك أن تدرك أن هذه الليلة فيها من الخيرية غير المحدودة والمعلومة ما يتجاوز خيرية ألف شهر ... في هذه الليلة بركة لا تكاد تنتهي بمنحة دافقة من الله مانح البركات ، وكأن فَرْق الأمور الحكيمة وتنزيلها يكون في هذا الحشد النوراني العظيم ... هناك تنفتح خزائن الله (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) !
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله امتيازاً لدعوتنا لشهود هذه الليلة واقتباس نورها، ولكن المشاهد العظيمة لا يبلغها السالكون إلا بعناء، ألم ترَ أن رسول الله عندما نزلت عليه أولى آيات القرآن في غار حراء في ليلة القدر عاد إلى زوجه خديجة مكدوداً متعباً يقول: زملوني زملوني!
هذه اللحظات التي كانت التجريب البشري الأول لشهود الليلة سهّلت علينا التعرف إليها بتلك التوجيهات والإرشادات النبوية لاسيما مع تكرر شهود رسول الله لها كرامةً لهذا النبي العظيم المحمّل بإرث هذه الليلة " القرآن" ...  !
إن المدخل لفهم ليلة القدر وتبيان حقيقتها واستدراج خيرها هو في مفتاح البركة التي أرشدتنا إلى أزمنتها وأمكنتها وصفاتها وملابسات معانيها نصوص رمزية سهلة التفكيك تكاد تكشف عن نفسها للباحث القاصد ( إنا أنزلناه في: " ليلة القدر = ليلة مباركة") ... تأمّل فربما تنفتح عليك في لحظة إقبالٍ متصل فترى فيها ومضةً بارقةً تصيبك بالبركة فينمو كل شيء يتصل بك في خير !

واستحقاق البركة فيها مفهوم من تنزّل الملائكة على مَن جمع بين شدة الاعتقاد (الإيمان) والتزام السلوك الأمثل (الاستقامة) : فكما تنزَّلُ الملائكة في ليلة القدر فإنها تتنزل على هؤلاء جالبة معهم شعائر ولاية الله في الحياة الدنيا والآخرة وراحة البال والبشارة بالجنة : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ... ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق