في رمضان
يكثر الشحّاذون والسُّؤّال (جمع سائل) في صحون المساجد وعلى أبوابها فأتذكر شيخ المؤرخين والمفسرين أبا جعفر محمد
بن جرير الطبري عندما طلب من الخليفة المكتفي لمّا أصرّ عليه أن يطلب مكافأة على
إنجاز كتاب في ما اتُّفق العلماء على صحته فطلب من الخليفة أن يأمر شرطته أن
يمنعوا السُّؤّال من دخول مقصورة الصلاة حتى تنقضي الجمعة ، ويبدو أن بعض هؤلاء
السائلين (الشحاذين) كانوا ينادون بحاجاتهم والإمام يخطب ولم يستطع المصلون منعهم
فاحتاج إلى تدخّل الدولة .
والسؤال في
المسجد مكروه كراهة تنزيه عند جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة ،
وتشدّد الأحناف في المسألة فقالوا بحرمة التسول، وكرهوا أن يعطي أحدٌ للسائل شيئاً
في المسجد ، فيما أجاز بقية العلماء ذلك محتجين بحديث أبي داود: «هل منكم أحدٌ أطعمَ
اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر: دخلتُ المسجد، فإذا أنا بسائلٍ يسأل، فوجدت كِسرةَ خبز
في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه» ؛
ومَن سأل الناس في المساجد وهو غني غير محتاج فإن سؤاله حرام .
وسئل الإمام
مالك عن السّؤّال ( الشحاذين) الذين يسألون فى المسجد ويلحّون فى المسألة ويقولون للناس:
قد وقفنا منذ يومين ويذكرون حاجتهم ويبكون ، قال: أرى أن ينهوا عن ذلك ؛ بل إن
تلميذه ابن عبد الحكم كان يقول: مَنْ سَأَلَ فَلَا يُعْطَى، وَأَمَرَ بِحِرْمَانِهِمْ
وَرَدِّهِمْ خَائِبِينَ .
وأما إذا
أصدر السائل تهويشاً وصخباً وإزعاجاً في المسجد يَمنعُ من الذكر والدعاء والقراءة فقد
أفتى السادة الشافعية بحرمته أو كراهته.
أما التصدق
على المحتاج في المسجد من غير مسألة منه فهو مباح بلا كراهة ، وكذا من طلب الإمام
أو الخطيب من الناس أن يتصدقوا عليه .
ولكن بعض الفقهاء لمّا رأوا شيوع الفقر وغلبة
الحرمان وقلة الصدقة وأداء الزكاة فقد أباح السؤال في المساجد للضرورة مخافة
الضيعة ورأوا في مشاهد الصلوات مظنة الرحمات، ورقة القلوب الباعثة على الصدقات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق