إلى
الجنوب الغربي من مدينة القدس وعلى بُعد
نحو سبعة كيلومترات كنت ترى بلدة عين كارم وهي تتربع على التلة وتمتد إلى القرى من
حولها وسط بساتين اللوزيات والزيتون وأحراش الصنوبر والسرو ، كانت متنزهاً قديماً
لأهل القدس يلقون فيها أثقال أيامهم بين أحضان الطبيعة الخضراء، وكانوا يتفاخرون
بأملاكهم فيها !
كان
يختارها الغزاة والمحتلون ، والحكّام القادرون لارتفاعها وطيب هوائها ووقوعها على
طريق يصل القدس بساحلها البحري البعيد ، فكانت مستقراً لقادرة الفرنجة الصليبيين
ولاسيما من نخبة البولونيين الإيطاليين ، وما يزال للفرنسيسكان أديرة وملاجئ فيها
!
لها
تراث مسيحي قديم تحكيه كنائسهم ، يقولون إن مريم العذراء وابنها المسيح – عليه
السلام – عاشا فيها دهراً ، وكانت مسكناً أيضاً لزكريا وابنه يحيى ، لذلك تجد
الكنائس كثيرة فيها ، أشهرها كنيسة الزيارة .
هي
اليوم تقع فيما يسميه الصهاينة ( القدس الغربية) ويجعلها العالم الظالم جزءاً من
الكيان الإسرائيلي ، ولكثرة آثارها القديمة أرادوا تسجيلها كواحدة من مراكز التراث
اليهودي لدى منظمة اليونسكو ، وسعيهم حثيث لذلك !
كانت
قرية عربية تمتزج فيها الديانة الإسلامية بالديانة المسيحية في انسجام وقبول ، حتى
غزتها اليهودية الصهيونية وقررت تهويدها الكامل ومسح هويتها، ولأنه لا يوجد لهم
فيها شيء يعرضونه للسيّاح المتدينين الجاهلين بتراث المدينة القديم وآثارها إلا
بما يعرضه المرشدون لهم ، فقد جعلوا أعلى قمة فيها مزاراً يهودياً عظيماً ، وجعلوا
الولاية عليه لوزارة الدفاع، فأنشؤوا هناك مقبرة (عظماء الأمة اليهودية) !
بعد
تأسيس الكيان بأقل من عام وتحديداً في عام 1949 نفذ الصهاينة المنتصرون على شتاتنا
وصية مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل فنقلوا رفاته الأجنبي الغريب عن هذا التراب إلى
الجبل ، لقد كتب في وصيته أن ينقلوه إلى (أرض إسرائيل) عند تأسيس الدولة، وأوصى أن
تدفن عائلته في مقبرته ! وتحول اسم الجبل من تلة عين كارم إلى جبل الصحافي السويدي
هرتزل ! وأصبح قبلةً لمنافقي العالم ، ومَحجّاً للظالمين ، وصندوقاً للمتبرعين
الذي يخطبون ود صهاينة العالم !
نقلوا
رفاته إلى هناك ، وبقي أن تنتقل عائلته إليه !
كان
له ثلاثة أطفال صغار عندما مات عام 1904 عن عمر يقارب 44 عاماً ، ولكنهم كانوا
أولاد سوء لم يحفظوا تراث والدهم المجنون
بولينا
اليائسة التي ماتت بجرعة زائدة من مخذر المورفين عام 1930 وهي في سن الأربعين !
وترودي
التي روّجوا أنها ماتت في معسكرات الاعتقال النازية !
وهانز
الطفل الذي كبر ليتخلى عن يهوديته ويتحول للمسيحية ، ثم يموت منتحراً .
عندما
كان إيهود أولمرت الصهيوني المتعصب الذي أدين بالفساد رئيساً للوزراء تبنّى مشروع
نقل جثامين الأولاد لجوار أبيهم ، وتمكن فريق المؤرخين ورجال الدين المزوِّرين من
ليّ الحقائق وتزويرها كالمعتاد ، فقد استطاعوا تخريج تحوّل هانز للمسيحية بأنه عاد
لليهودية بدليل دفنه في مقبرة يهودية فرنسية ! وأما انتحاره فقد كان مرضاً نفسياً
أصابه نتيجة فقره وعدم اعتناء يهود العالم بأبناء أستاذهم الأكبر ! وتمكّن من نقل
رفات الثلاثة أخيراً في سبتمبر عام 2006 بمباركة كاملة من الصهاينة العالميين .
حول
هرتزل يرقد زعماء الكيان الإسرائيلي وأكابر مجرميه ، تجد قبر إسحاق ليفي وارييل
شارون ومناحيم بيغن وغولدا مائير وإسحاق رابين ، ويرقد إلى جوارهم بعض مَن خانوا
أمتهم من ديانات مختلفة وخدموا هذا الكيان الصهيوني !
انضم
شيمون بيريز البولندي الروسي (روسيا البيضاء) إلى هؤلاء القتلة المجرمين الكبار
يوم 29 سبتمبر 2016، ودفن إلى جوارهم يشيعه ضيوف من نحو تسعين دولة بينهم رؤساء
سابقون ودول عربية في الوقت الذي كانت انتفاضة القدس تجدد ذكراها الثانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق