الاثنين، 3 أبريل 2017

قَشَفُ الناس وذَمِيمهم !

لو علم أهل الاقتصاد والسياسة معنى التقشف لأدركوا أنه أقرب ما يكون إلى اقتصاد الحرب العمياء العاضّة بأنيابها في جانب إغفال بنود الصيانة والخدمة وضروب الرفاهية والتجميل، فيصبح المواطن عندهم في زمن التقشف مُتَقَشِّفاً : وهو المُتَبَلِّغُ بقُوتٍ يسيرٍ، وثوب مُرَقَّعٍ، لا يُبالي بما تَلَطَّخَ بِجَسَدِهِ وما نما عليه من أظفار طويلة وشَعر مائج ... فيشبه ما صار عليه المتقشّف أنه وصفٌ للزاهد عن متاع الدنيا لكنه زهدٌ لا عن إرادةٍ وتمكّنِ قرارٍ.
وأصله وهو ما لم أجده في المعاجم القديمة من القَشَف وهي تلك القشور المُخدّدة في القدمين واليدين من أثر البرد القارس الذي يُكَتْكِت فيه المرء لاسيما في شهري كيهك وطوبة، فيترك المرء التنظّف بالماء لاسيما في خيام الصحارى ومخيمات اللجوء حيث لم يكن عنده السخّان الكهربيّ أو مواقد النُّورة الضخمة أو صوبات الحطب، وأذكر أن الدم كان يسيل من بين شقوق القشف ، وكانت الوالدة تقول لنا إن لبس الجوارب وكثرة الاغتسال بالماء الحار مما يزيل القشف ، وكنّا نهرب من ذلك القيد في القدمين إذ لم أكن أحبّ تلك "الجزمة" وما زلت، كما أن الاغتسال بالماء الحار ثم الخروج إلى الشارع في البرد كان يفتح الصدر على المرض ؛ وهناك قشف قبيح مكروه ذكره أصحاب المعاجم القدماء وهو ما كان سببُه تركَ التنظّف وقذارة المرء عن إرادةٍ منه، وكأنّ الجلد يصبح كقشور ظهر الضبّ المنفرد.
وربما كان أصله من قولهم إنه امرؤ قَشِف: وهو الذي لَوَحَتْه الشمس من كثر السير تحتها بلا مظلة تمنع عنه لهيبها فيتغير لونه وتشتد سمرته.
 وكنتُ في شبابي أستعير من كلام بعض النساء كما ذكر التوحيدي في الهوامل والشوامل أن القَشَف من الشرف، وأن الترف من السرف ! ثم علِمتُ أن النساء أرَدْنَ من القشف يبس الحال وشظف العيش وخشونة الفقر .
وشبيهٌ بالقشَف ما يقالُ له الذَّمِيمُ: وهو تلك الخلايا الميتة الطافية على سطح الأنف أو الوجه كقَشَفِ القدمين ، وتكون عادةً بسببٍ مِن حَرٍّ أَو جَرَبٍ أو قذارةٍ، واحِدَتُه ذَمِيمَةٌ؛ أذهب الله عنكم قشف الحكومات وذميم وجوههم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق