الاثنين، 3 أبريل 2017

أم المؤمنين عندما تغضب: أنَّى للمرأة الشؤم !

بينما كنتُ في جزيرة سواكن على ساحل البحر الأحمر، حدثني مؤرخو الجزيرة أن هذه الجزيرة البيضاوية القريبة من الشاطئ لم تكن متصلة بالقيف (البر الساحلي) حتى أمر أحد الوجهاء الأثرياء بردم المسافة المائية بالحجارة والرمال، لمّا رأى امرأة وحيدة عند الغروب تحاول الوصول للبر لكن أحداً لا يحملها في زورقه فعدّ ذلك شؤماً وفعل ما فعل، فعجبتُ لهذا التعبير بالشؤم ، وتذكرتُ الحديث المأثور عن ابن عمر قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس )، فهذا الحديث ينفي الشؤم، ولكنه يفترضه – إن كان – في ثلاثة أشياء لا رابط بينها، والعجيب أنها مواضع طلب وشرف ومكانةٍ .
وقد بدأ الفهم الخطأ لهذا الحديث قديماً مما استدعى تدخّلاً عنيفاً من جانب أم المؤمنين عائشة التي انتصرت بنات جنسها وللحقيقة التي تعرفها، وكاد أن يطيش عقلها وينقسم شطرين غضباً من هذا الفهم الأعوج، فتحكي مناسبة هذا القول وأن رسول الله كان يحكي عن معتقدات أهل الجاهلية، يروي ابن عساكر في تاريخ دمشق عَنْ أَبِي حَسَّانٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ أَنْبَآَ عَائِشَةَ، فَقَالا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الشُّؤْمُ فِي الدار، وَالْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ "، قَالَ: فَطَارَتْ شُقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ، وَشُقَّةٌ فِي الأَرْضِ، فَقَالَتْ: كَذَبَ، وَالَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ مَا قَالَهُ لَهُ، إِنَّمَا قال: " كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ ".
والطريف أن علماءنا مالوا كعادتهم إلى تفسير الأمر مع ملاحظتهم لغرابته وتصريف وجه الغرابة وتأويلها بما يعيد المعنى إلى ناحية مقبولة عقلياً، فقالوا إن شؤم الدار في ضيقها أو جيران السوء أو بعدها عن المسجد؛ وأن شؤم الفرس في جموحها ونفورها أو عدم الغزو عليها؛ وأن شؤم المرأة في غرورها أو سلاطة لسانها أو عدم قناعتها أو غلاء مهرها...؛ وبعضهم يذهب مذهباً أجمل وأكثر إبداعاً فيقول: إن الشؤم في هذه الثلاثة لكثرة الإنفاق عليها، وفائدة الحديث إعلامٌ أن هذه الثلاثة الأشياء يكثر الخَرْج عليها، وتذهب البركة من المال بسببها.
 وتصويب عائشة صوابٌ يتناسب مع مقدمة الحديث في البخاري: قال ( لا عدوى ولا طيرة؛ والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار والدابة ) فرسولُ الله يبطل مذاهب العرب في التشاؤم والتطير والخوف من العواقب استناداً إلى مقدمات يفترض فيها المتشائم أنها قطعية الوقوع بسببها، فكأنه يقول هنا: إذا كان لك دار لا تحب سكناها فارحل إلى غيرها فحسب، وإذا أرهقتك صحبة امرأة لا تحبها ولا تحبك ففارِقها وطلِّقْها، أو إن كنتَ لا تثق بفرسك وقدرتها على النجاة به في المغازي وقضاء الحوائج فلتَدَعْها ولتَبِعْها ! وهذا عينُ ما ورد في إحدى روايات الحديث فيما رواه ابن عساكر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: ذَكَرْنَا الشُّؤْمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي، فَقَالَ: " إِنَّ شَيْئًا لا يَشْأَمُ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالْفَرَسِ ".
وبالعودة إلى جزيرة سواكن فعندما سألتُ بعضهم عن معنى التشاؤم الذي وجده الرجل في حمل المرأة وحدها، قال بعضهم إن المرأة الوحيدة مصدر شؤم لأن ذلك يعني أنها فقدت أهلها، أو فرّت منهم فلا يمكن لأحد أن يترك امرأة من أهله وحدها حتى لو جنَت جناية عظيمة، ولا يتصورون أن امرأة يمكن أن تكون وحيدة في مجتمعاتهم التي تحافظ على المرأة إلا إن كانت كافرةً أو عاهرة  -كما يقولون- ؛ وإذا حدث أن تخلّى أحدهم عن عِرضه بلا صيانة وحماية فدلّ ذلك على شؤم أهلها وسوئهم، فعجبْتُ لهذا التأويل المجتمعيّ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق