يقول رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار
وصفّدت الشياطين» أخرجه البخاري ومسلم
يأتي هنا سؤال
حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان مع ملاحظتنا لوجود الشر فيه يقل حيناً أو يكثر حيناً
في أقوام من الناس مختلفين، وقد قرأتُ كلام العلماء فيه ومعظمها يستند إلى كلام
القاضي عياض أو كلام القرطبي وقلّ أن تجد لغيرهما كلاماً يخرج عنهما، وكلامهما عامّ
لا يفسّر القضية، وبالتأمل في الحديث يمكننا أن نصل لهذه النتائج، وهي من بركات
التدبر في هذا الشهر المبارك :
-
تصفيد
الشياطين لا يعني امتناع تصرف الشياطين ونشاطها، وإنما يعني قهرها وتقليل قدرتها
على التأثير المباشر من خلال كسر الشهوات الكبرى في رمضان بالامتناع عن المفطرات
كافة، فالمصفّد المقيّد بالسلاسل يمكنه الحركة المحدودة والكلام وإبداء الرأي،
وهذا قد يكون أخطر من المباشرة بالفعل.
-
موارد الشر
لدى الإنسان متعددة ومنها هذه الشياطين، ولكن الموارد الأخرى ما تزال نشطة كالنفوس
الخبيثة المطبوعة على الشر، وشياطين الإنس، والعادات المستحكِمة.
-
يلاحظ أن
الحديث افتتح بـ"إذا" الشرطية وهذا يعني أن فتح أبواب الجنة أو الرحمة
وتغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين هو قرار بحدوث ذلك عند دخول رمضان فحسب
تقديراً وتعظيماً لمكانة هذا الشهر وترغيباً للمؤمنين في الاستعانة بالله وكسر
وسوسة الشياطين وسلطتهم النفسية، وهذا يعني أن هذا الإجراء لا يستمر في أيام رمضان
كافة .
-
أن هذا الخطاب
خاص بالصائمين المؤمنين وليس عاماً فهذا البركات مخصوصة بهم من فتح أبواب الجنة
وغلق أبواب النار وتصفيد الشياطين عن مواصلة التأثير فيهم بقوة.
-
ورد في الحديث
أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، بمعنى أنه يكاد يكون جزءاً منه، يصل إلى
قلبه ودماغه وجوارحه كافة بانفتاح وسرعة، وعندما يصوم المرء فإن هذا النشاط الدموي
الذي يواكب الجهد والتعب البشري يتراجع بسبب قلة الوارد الغذائي والمائي مما يؤدي
إلى ضعف حركة الأشياء المحمولة عبر الدم ، وهذا تعبير مجازي عن ضعف الحضور
الشيطاني عبر المنافذ العادية .
- وسوسة الشيطان تزيين وإغواء وليست سيطرة على المرء،
فالإنسان يملك الخيار دائماً، فإذا تركّبتْ نفسه على الشر ومال طبعُه إلى الفساد
فهذا ميل نفسي لا علاقة للشيطان فيه إلا في باب زيادة التحبيب فيه، وهو ما يمتنع
في رمضان عن هذه الشياطين .
د. أسامة جمعة
الأشقر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق