هناك رجال يظلمهم التاريخ لأن التاريخ غنيمة الأقوياء فحسب ، رجل
معمّر عاش أكثر من مائة عام 1850 -1957 م كان شيخ عشيرته العدنانية "
الفريحات " ، وأمير سنجق عجلون العثماني الذي ضمّ معظم الأراضي الأردنية
الحالية وأجزاء من فلسطين في نابلس وجنين ، بقي وفيّاً للعثمانيين الذين دعموه
سياسياً ومنحوه رتبة الباشوية وجعلوا واحداً من عشيرته عضواً في البرلمان العثماني
(المبعوثان) ، ومع أنه كان عثمانياً فقد كان مؤسساً لتيار القومية العربية وأحد
رموزها ، ولم يجد غضاضة في الجمع بين انتمائه للإمبراطورية العثمانية المسلمة
وقوميته العربية التي اشتعل عصبيتها في مواجهة الطورانية التركية ، بل كان له دور
كبير في إطفاء الفتن الطائفية في حوران ودمشق ولبنان والتي كادت تعصف بالوجود
المسيحي في الشام أواخر القرن التاسع عشر .
في تلك الجبال الحصينة العالية في جبال عجلون وتحديداً في مسقط رأسه "
كفر نجه" كان الشيخ راشد الخزاعي يلتقي بثوار سوريا على الفرنسيين ، وثورا
ليبيا على الإيطاليين ، وثوار الأردن وثوار فلسطين على البريطانيين ، وهو الزعيم
العربي الوحيد ( زعيم حكومة عجلون) الذي قدّم المساعدة لثورة الشيخ عز الدين
القسام بداية الثلاثينات فزوّدها بالسلاح والمؤن ، وأمدّه بالمتطوعين الأردنيين ،
ووفر له وللفدائيين معه المأوى والحماية والدعم ، وعمل على ضرب سماسرة الأراضي
وعملاء الإنجليز وساهم في تحشيد الأمة الإسلامية في مؤتمر القدس الإسلامي الأول،
وخرج في تظارهات كبيرة في إربد لدعم ثورة البراق بعد استشهاد أبطال الثلاثاء
الحمراء حجازي والزير وجمجوم... ذلك كله حدثَ قبل أن يتعرض للنفي للعقبة ثم اللجوء
إلى الحجاز الذي سيطر عليه الملك عبد العزيز آل سعود آنذاك .
هذه العلاقة الخاصة بين الشيخ راشد الخزاعي والشيخ عز الدين القسام ما
تزال من المحطات التي تحتاج إلى تظهير في التاريخ الفلسطيني الحديث بالبحث عن
وثائق في شهادات القساميين الأوائل المسجّلة ، وإعادة النظر في أضابير البريطانيين،
ولابد أنها ستكشف جانباً مستوراً من قضية فلسطين يعيد تجريب الحاضر وتصوير ظروفه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق