لقيته مرحِّباً
مهنئاً : ما هذه الصُّدفة الرائعة !
قال متجهِّماً : لا
تقل صدفة بل قدر من أقدار الله !
قلت له : وهل الصدفة
يا صديقي إلا قدر من أقدار الله ، قدرٌ لم أكن أتوقّعه وأنتظره ولا تتوقعه أنت ولا
تنتظره، وليس له مقدمات ومسببات متفق عليها بيننا ، أي أننا لم نخطط له ولم
نوقِّته في ميعاد، ولا يستلزم وجود أحدهما وجود الآخر .
ثم قلت له: وهذا من
حظي السعيد أن أبيِّن لك هذه المسألة :
فتجهّم مرة أخرى:
لماذا تقول: الحظ ! بل عليك أن تقول هذا قدر سعيد من أقدار الله !
تبسمت ثانية وأجبته
الجواب الأول: وهل الحظ إلا قدر جميل أو مُصابٌ من أقدار الله ! فالمرء له حظّه أي
نصيبه المقدّر له، وله حظ عظيم موعود به ، وهو مكتوب أيضاً ) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (، وتقلّبات الحظ في شيء هي
أقدار الله فيه .
عندما ألاقيك من غير
ميعاد ولا تخطيط فأبتهج للقياك فهذا من استدعاء الأرواح المؤتلفة المجنّدة ،
وعندما أكون على عداوة معك فأصادفك أو أجد حظاً من التمكّن منكَ فهذا أيضاً من
الصدف العزيزة والحظوظ العالية .
وعلى كل حال فالصدف
والحظوظ محتملة التقدير الحسابي على حساب الاحتمالات المرتبطة بعوامل يقدّرها الله
ويجعلها كرامةً أو أجراً معجّلاً لواحد من عباده فيكثر حظه، ويأنس بمصادفاته ،
ويعدّها من الرسائل المطمئنة من الخالق العظيم .
ثم لماذا تتشددون على
الناس في أمرٍ درجوا على استخدامه على سبيل المسامحة والمجاملة والألفة كأن يترافق
دخولك على بيت أحدهم مع عودة التيار الكهربي ، ولم يكن مقصودهم الصدفة الفلسفية
المطلقة التي يقول بها بعض مذاهب الملاحدة الدهريين الزاعمين خلو النظام الكوني من
التدبير الإلهي والخلق الابتدائي .
والكلمة أيضاً من
الكلمات المألوفة في اللغة بمعنى اللقيا على غير ميعاد ، ولم يفهم منها الناس من
القديم هذا الاعتراض الشرعي ، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: فَانْطَلَقْتُ
بِهِ ( يعني بعبد الله بن أبي طلحة ) إِلَى رسول اللَّهِ فصادَفْتُهُ ومعه
مِيسَمٌ ... وقد حكى ربنا عن قارون قول الناس فيه ( إنه لذو حظ عظيم) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق