الاثنين، 6 مارس 2017

صُدْفة محظوظ !

لقيته مرحِّباً مهنئاً : ما هذه الصُّدفة الرائعة !
قال متجهِّماً : لا تقل صدفة بل قدر من أقدار الله !
قلت له : وهل الصدفة يا صديقي إلا قدر من أقدار الله ، قدرٌ لم أكن أتوقّعه وأنتظره ولا تتوقعه أنت ولا تنتظره، وليس له مقدمات ومسببات متفق عليها بيننا ، أي أننا لم نخطط له ولم نوقِّته في ميعاد، ولا يستلزم وجود أحدهما وجود الآخر .
ثم قلت له: وهذا من حظي السعيد أن أبيِّن لك هذه المسألة :
فتجهّم مرة أخرى: لماذا تقول: الحظ ! بل عليك أن تقول هذا قدر سعيد من أقدار الله !
تبسمت ثانية وأجبته الجواب الأول: وهل الحظ إلا قدر جميل أو مُصابٌ من أقدار الله ! فالمرء له حظّه أي نصيبه المقدّر له، وله حظ عظيم موعود به ، وهو مكتوب أيضاً ) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (، وتقلّبات الحظ في شيء هي أقدار الله فيه .
عندما ألاقيك من غير ميعاد ولا تخطيط فأبتهج للقياك فهذا من استدعاء الأرواح المؤتلفة المجنّدة ، وعندما أكون على عداوة معك فأصادفك أو أجد حظاً من التمكّن منكَ فهذا أيضاً من الصدف العزيزة والحظوظ العالية .
وعلى كل حال فالصدف والحظوظ محتملة التقدير الحسابي على حساب الاحتمالات المرتبطة بعوامل يقدّرها الله ويجعلها كرامةً أو أجراً معجّلاً لواحد من عباده فيكثر حظه، ويأنس بمصادفاته ، ويعدّها من الرسائل المطمئنة من الخالق العظيم .
ثم لماذا تتشددون على الناس في أمرٍ درجوا على استخدامه على سبيل المسامحة والمجاملة والألفة كأن يترافق دخولك على بيت أحدهم مع عودة التيار الكهربي ، ولم يكن مقصودهم الصدفة الفلسفية المطلقة التي يقول بها بعض مذاهب الملاحدة الدهريين الزاعمين خلو النظام الكوني من التدبير الإلهي والخلق الابتدائي .
والكلمة أيضاً من الكلمات المألوفة في اللغة بمعنى اللقيا على غير ميعاد ، ولم يفهم منها الناس من القديم هذا الاعتراض الشرعي ، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: فَانْطَلَقْتُ بِهِ ( يعني بعبد الله بن أبي طلحة ) إِلَى رسول اللَّهِ فصادَفْتُهُ ومعه مِيسَمٌ ... وقد حكى ربنا عن قارون قول الناس فيه ( إنه لذو حظ عظيم) . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق