لطالما
صنّف الحكماء الصمتَ على أنه من مراتب المكارم العالية، وجعلوه من طباع العقلاء،
وجعلوا ترك الصمت من صفات الأشقياء، وأفاضوا في تحسين الصمت؛ وفاتهم أن ثمّة صمتاً
هو كالداء العضال لا يقترن بحكمة ولا مكرمة ولا عقل ولا فضيلة، وهو أنواع كثيرة؛
ويجمعها كلها شر كبير وهو أن الصمت أكثر علاجات الغضب نجاحاً ، وهو بداية التدجين
، وشريعة الترويض، ومن أنواعه :
صمت
البقاء: إذ يظن المرء أن الصمت ينجيه من غيابة الحبس والتعذيب فيطيل الصمت حتى
يأْسَنَ ماؤه ويفسد طبعه فيكون هو خشبة الكرسيّ سواء ، فيقولون: الصمت حكمة قليل فاعله،
ومن حفظ لسانه أراح نفسه ... .
ومنه
صمت التواطؤ وهو أن يكون قادراً على الفعل المغيِّر أو الكلام المؤثِّر ولكنه
يؤخرهما فيصمت في الحين لتمرير جريمة مقابل مصلحة .
ومنه
صمت العجز ، وهو الذي يتوجّع صاحبُه من الحديث فيه ، ويرى أن الحديث - وهو مقيد
اليدين عاجز عن مدّ يد المساعدة - يثير نفسه ويحزنها ويصيبها بالكآبة ، ويدفعها
للإحباط فيلجأ للصمت راكناً إلى جنب بعيد يبكي على نفسه .
ومنه
صمت القرَف : وهو ذاك الشخص الذي لا يملك التأثير بفعله فيكثر الحديث حتى يملّه
الناسُ ويملّ من الناس ، فيتحوّل الكلام عنده إلى معنى فَطِير ، ويرى ألا قيمة فيه
، فيؤثر الصمت وينكبّ على الفُرْجة والاستماع.
ومنه
صمت السياسة: إذ يعلم أن سكوته على أمر سيدفع به نحو تأمين محلّه ، وإبعاد نفسه عن
مشهد ملتهب قد يضره الخوض فيه فيطوي ما يراه ويسمعه ويفتح صفحة جديدة ، ويرى أن
الصمت خيار المصلحة .
ومنه
صمت الغافل الذي لا يعنيه شيء ولا يهتم لكارثة أحد ما دامت لم تحلّ عليه ويقول
دائماً : اللهم حوالينا ولا علينا ... .
وفي
الجملة فأنواعه المعدودة بحسب الأحوال تكاد تبلغ المائة أشرت إليكم بطرف منها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق