تستفزّني
حميّة الغضب عندما أقرأ لأحدهم أو أسمع له كلمة في حق أسرانا في سجون الاحتلال إذ
يقول: إنه يقبع في سجون المحتل !
أكاد
أرتجّ من سوء استعمال هذه الكلمة ، وهي كلمة مصورة مأخوذة من متأدِّبة الزمن
الحديث فلا تكاد تجد لها استعمالاً قديماً، لكون استخدام "قبع" لا يكاد يكون
إلا في سياق نفسي واجتماعي فيها إهانة وذل وربما ورَدَ عليها الألمُ والهمّ ...
فالقنافذ تقبع أي تدخل رأسها مستخفِيةً في جلدها الشوكيّ خوفاً وحذراً وتتدوّر على
نفسها ابتغاء السلامة ، وهذا لا يليق بأسير مناضل منافح ؛ والخنزير يقبع ويخنخن
عندما يجرّ أنفاسه إلى صدره ويُصْدر صوتاً من جوفه الممتلئ بالقذارة وهو ما لا
يفعله أسير غافَلَه عدوُّه فتمكّن منه؛ والطير البغاث الصغير ينقبع إلى جحر جرَذ
قبيح إذا ضربه غلام بحجر ... ونحن نعلم أن التشبيه لا يقتضي المشابهة لكن وجوه
الشبه إذا احتشدت على مساءة فلا ينبغي إلحاقها بما هو شريف نبيل.
وكأني
بهؤلاء المتأدبة قد جعلوا من السجن قميصاً يقبع فيه لابسه إذ يدخل رأسَه فيه ؛
وللأمانة فقد جعلوا تلك الكلمة مرتبطة بالمتهم السجين الذي يعاقَب على جريمته
فيتلبّس بالمهانة والذل ، ثم وجدنا الناس يعممونها على كل سجين وأدخلوا فيهم
الأسرى بجامعِ سلْبِ الحرية لكليها ، وشتّان ما هما ؛ فالتقبّع مقترنٌ بالتفزّع
والمهانة والقلق والرعشة والتحيّر .
والرأي عندي ألا تستخدموا هذه الجملة: يقبع الأسير في
سجون الاحتلال ... إذ هي لا تليق به ، ولا حاجة لاستخدامها في هذا المقام بالمرّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق